ملخصمقال: "التلقي عند عبد القاهر الجرجاني: مفهومه، تجلياته وإشكالاته"
ضمن فعاليات الملتقى العلمي العالمي التاسع للغة العربية والمؤتمر الخامس لاتحاد مدرّسي اللغة العربية بإندونيسيا تحت عنوان "اللغة العربية أساس الثقافة الإنسانية" 27-29 أغسطس 2015م
المحور الثالث: اللغة العربية والعلوم الإنسانية
- التراث اللغوي العربي وعلم اللغة الحديث
عبد العزيز جابا الله
محجوبة البـــفور
مختبر الترجمة وتكامل المعارف
كليــــة الآداب والعــلوم الإنسانيـــة
جامعـة القاضـي عيــاض
مراكـش – المغـرب
يقول عبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة:"ومعلوم أن القصد أن يخرج السامعين إلى التعجب لرؤية ما لم يروه قط، ولم تجر العادة به. ولم يتم للتعجب معناه الذي عناه، ولا يظهر صورته على وصفها الخاص، حتى يجترئ على الدعوى جرأة من لا يتوقف ولا يخشى إنكار منكر ولا يحفل بتكذيب الظاهر له(...) ومدار هذا النوع في الغالب على التعجب، وهو والي أمره، وصانع سحره، وصاحب سره، وتراه أبدا وقد أفضى بك إلى خلابة لم تكن عندك، وبرز لك في صورة حسبتها تظهر لك"تح. محمود محمد شاكر،ص:304
ويقول في دلائل الإعجاز: "قد فرغنا الآن من الكلام على جنس المزية، وأنها من حيز المعاني دون الألفاظ، وأنها ليست لك حيث تسمع بأذنك، بل حيث تنظر بقلبك، وتستعين بفكرك، وتعمل رويتك، وتراجع عقلك، وتستنجد في الجملة فهمك، وبلغ القول في ذلك أقصاه، وانتهى إلى مداه"تح.محمود محمد شاكر ص:64
إن من يتأمل في كتابي عبد القاهر الجرجاني الأسرار والدلائل، ويتأمل هذين النصين أعلاه، يدرك الاهتمام البالغ والعناية الشديدة اللذين يوليهما الجرجاني للمتلقي في بناء نظرية النظم. يظهر المتلقي في هذه النظرية طرفا مركوزا في العملية الإبداعية، وعيارا أساسيا تقاس به جمالية الصورة.
وتكشف العناية الشديدة بالمتلقي لدى الجرجاني عن تصور افتراضي خاص لمفهوم التلقي وقضاياه، فالباحث مدعو إلى استجلاء وتبيان أسسه والعلاقات والخصائص التي بني عليها؛ مستفيدا في ذلك مما وصل إليه البحث الأدبي والنقدي الحديثين في هذا المجال من منهجيات وأدوات التحليل والتفسير والتأويلخصوصا في نظرية التلقي، وهي النظرية الحديثة التي ظهرت في أواخر ستينات القرن الماضي في جامعة كونسطانس الألمانية، بوصفها النظرية التي بوأت المتلقي مبوأ أساسيا وكبيرا في العملية الإبداعية ردا على المناهج والنظريات النصية السابقة.
لقد كان لنظرية التلقي الألمانية الدور الكبير في لفت انتباهنا للبحث في التلقي لدى الجرجاني، ولعل إدراكنا لذلك التصور الخاص المفترض عندنا ــ على نحو ما يتضح جليا في النصين أعلاه ــ للتلقي عند الجرجاني، هو ما جعلنا نختاره موضوعا لهذا المقال، وذلك بمحاولة الإجابة عن بعض الأسئلة من قبيل:
ــ كيف نشأت نظرية التلقي الحديثة وما هي مفاهيم اشتغالها؟
ـــما هو مفهوم التلقيعند الجرجاني؟
ـــ هل هي خصوصيات التلقي عند الجرجاني؟
ـــ ما هي المفاهيم الدالة على التلقي عند الجرجاني في كتابيه الأسرار والدلائل؟